الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المتواري على أبواب البخاري
.كتاب الطلاق: .باب من أجاز طلاق الثلاث: وقال ابن الزبير في مريض طلّق: لا أرى أن ترث مبتوتة. وقال الشعبي: ترثه. وقال ابن شبرمة: تتزوّج إذا انقضت العدّة؟ قال: نعم- يعني الشعبي- قلت: أرأيت إن مات الزوج الآخر، فرجع عن ذلك؟ فيه سهل بن سعد: إن عويمرا جاء إلى عاصم فقال: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً- الحديث-، فتلاعنا، فلما فرغا، قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين. وفيه عائشة: إن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إن رفاعة طلقني، فبتّ طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير وأنا معه مثل الهدبة. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته». وقالت عائشة مرّة: إن رجلاً طلّق امرأته ثلاثاً، فتزوّجت فطلّق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أتحلّ للأوّل؟ قال: «لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأوّل». قلت: رضي الله عنك. لزوم الثلاث إذا وقعت مفترقات لا خلاف فيه. فإن وقعت في كلمة واحدة، فالمذاهب أيضاً كذلك للّزوم، ونقل عدم اللزوم شاذاً عند الحجاج بن أرطاة وابن إسحاق، وإنما ساق البخاري الترجمة للردً على المخالف. فذكر أحاديث فيها إرسال الثلاث دفعة، وأحاديث فيها لزوم الثلاث والبتات، ولم يذكر الكيفية، وهل مجتمعاتٍ أو متفرقات؟. ولما قام الدليل عنده على تساوي الصور كفاه الدليل في بعضها دليلاً في الجميع. والله أعلم. وكأنه أثبت حكم الأصل بالنص، وألحق الفرع به بقياس نفي الفارق. .باب الشقاق، وهل يشير بالخلع عند الضرورة: فيه المسور: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بني المغيرة استأذنوني في أن ينكح عليّ، فلا آذن لهم». قلت: رضي الله عنك! يحتمل أن يكون استدلاله بقوله: «إلا أن يريد على أن يطلق ابنتي» كما قال الشارح. ويحتمل أن يستدل بقوله: «فلا آذن لهم» ووجه الدليل أنه أشار على عليّ بعدم نكاح لبنتهم. ومنعه من ذلك إذ علم من ذلك أنه موقوف على إذنه، فلم يأذن صلى الله عليه وسلم لضرورة صيانة فاطمة- عليها السلام- عن التعريض لما جبلت إليه النفوس من الغيرة، وأحوالها. فإذا استقرّ جواز الإشارة بعدم التزويج التحق جواز الإشارة بقطع النكاح لمصلحة. والله أعلم. .باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة: قلت: رضي الله عنك! مدخله في الفقه تسويغ الشفاعة للحاكم عند الخصم في خصمه إذا ظهر حقه، وأشار عليه بالترك أو الصلح، إذا سلم له القصد. ولا يعدّ من التضجيع في الأحكام. .باب حكم المفقود في أهله: واشترى ابن مسعود جارية فالتمس صاحبها سنة فلم يجده وفقد. فأخذ يعطي الدرهم والدرهمين، وقال: اللهم عن فلان، فإن أتى فلي وعليّ وقال: هكذا فافعلوا باللقطة. وقال ابن عباس نحوه. وقال الزهري في الأسير يعلم مكانه: لا تتزوج امرأته، ولا يقسم ماله. فإذا انقطع خبره فسنّته سنّة المفقود. فيه يزيد بن خالد: إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم. فقال: «خذها؛ فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب». وسئل عن ضالة الإبل، فغضب حتى احمّرت وجنتاه. فقال: «ما لك ولها؟ معها الحذاء والسقاء، تشرب الماء وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربّها». وسئل عن اللقطة، فقال: «اعرف وكاءها وعفاصها، وعرّفها سنة، فإن جاء من يعرفها وإلا اخلطها بمالك». قلت: رضي الله عنك! هذه الترجمة، وما ساقه فيها من الآثار والأحاديث دليل واضح على فضله ودقّة نظره. وذلك أنه وجد الأحاديث متعارضة بالنسبة إلى المقصود. فحديث ضالة الغنم يدلّ على جواز التصرف في ماله في الجملة وإن لم تتحقق وفاته. وينقاس عليه تصرف المرأة في نفسها بعد إيقاف الحاكم، وتطليقه بشروطه. والحديث عن ابن مسعود وما معه يؤيده. ويقابل هذا على المعارضة حديث ضالة الإبل. فمقتضاه بقاء ملكه أبداً حتى يتحقق وفاته بالتعمير أو غيره. وبحسب هذا التعارض اختلف العلماء في الجملة. واختار البخاري إيقاف الأهل أبداً إلى الوفاة يقيناً أو التعمير. ونبّه على أن الغنم إنما يتصرف فيها خشية الضياع بدليل التعليل في الإبل. فالإبل في معنى الأهل، لأن بقاء العصمة ممكن كبقاء الإبل مملوكة له. .باب الإشارة في الطلاق والأمور: قلت: رضي الله عنك! يشير إلى طلاق الأخرس وغيره بالإشارة إلى الأصل. والعدد نافذ كاللفظ، بدليل أن الإشارة مفهمة، فساوت اللفظ في مقصوده. واعتبار الشرع لها دليلاً كالنطق يحقق ذلك. وهو مقصود الأحاديث المذكورة. والله أعلم. .باب إذا عرّض بنفي الولد: قلت: رضي الله عنك! ذكر البخاري التعريض عقب الإشارة، وقد تقدم له فيها أنها كاللفظ لاشتراكها في إفهام المقصود. وقد كان ينبغي أن يكون التعريض مثل اللفظ الظاهر في المقصود بطريق المنطوق، لمشاركته إياهما في إفهام المقصود، وهو مذهب مالك- رحمه الله-. وتبويب البخاري على الحديث أنه تعريض يدلّ أن مذهبه إهدار التعريض وذلك مناقض لمذهبه في الإشارة. والتحقيق أن الحديث المذكور ليس بتعريض. فإن التعريض هو إفهام البتّ بالقذف. وهذا السائل إنما جاء مستريباً، فلمّا ضرب له المثل زالت الريبة. والله أعلم. .باب المطلقة إذا خشي عليها في بيت زوجها أن يقتحم عليها أو تبذو على أهله بفاحشة: قلت: رضي الله عنك! ذكر البخاري في الترجمة علتين: إحداهما: الخوف من الزوج عليها. والأخرى: الخوف منها على أهل الزوج، أن تبذو عليهم بفاحشة. وذكر حديث فاطمة وما فيه إلا الخوف عليها. وقد ورد قول عائشة لها: إنما أخرجك هذا اللسان. ولكن البخاري لمّا لم توافق هذه الزيادة شرطه أسقطها من الحديث وضمنّها الترجمة. لأن الخوف عليها إذا اقتضى خروجها، فمثلها الخوف منها. ولعله الأولى في إخراجها. فلمّا صحّت عنده الزيادة بالمعنى ضمّنها الترجمة. .باب قول الله عز وجل: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} [البقرة: 228] من الحيض: قلت: رضي الله عنك! استدلاله بالحديث على الترجمة لطيف وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب على مجرد قول صفية: إنها حائض، لزوم أن يحتبس عليها. وهذا حكم متعدٍ عنها إلى الزوج. فقاس عليه تصديقها في الحيض والحكم والحمل باعتبار رجعة الزوج، وسقوطها، والتحاق الحمل به. والله أعلم. .باب المهر للمدخول عليها، وكيف الدخول؟ أو طلّقها قبل الدخول: قلت: رضي الله عنك! وجه المطابقة للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم جعل الدخول علة استحقاقها لجميع المهر. فاستحقاق المدخول بها المهر كاملاً من المنطوق، وعدم استحقاق غير المدخول بها من المفهوم. فالمنطوق والمفهوم، يطابق الحديث قسمي الترجمة جميعاً. والله أعلم. .كتاب النفقات: .باب كسوة المرأة بالمعروف: قلت: رضي الله عنك! موضع المطابقة تشقيقه للحلة بين نسائه. وهذا من الاقتصاد بالمعروف بحسب الحال لا بالإسراف والتغالي، لأن الذي ناب فاطمة- عليها السلام- من هذه الحلّة خرقة رضيت بها، قبلتها. .باب نفقة المعسر على أهله: قلت: رضي الله عنك! وجه الاستدلال أن الكفارة واجبة، ومع هذا أسقطها عنه في الحال المعارضة ما هو أوجب منها، وهو الإنفاق على الزوجة، وإن كان معسراً. ولو لم تكن النفقة واجبة عليه ما سقط بها الواجب. .باب: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] وهل على المرأة منه شيء؟ فيه أم سلمة: هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا. وإنما هم بنيّ. قال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم. فيه هند: قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله ما يكفيني وبنيّ؟ قال: خذي بالمعروف. قلت: رضي الله عنك! وجه المطابقة يتبين بمقصوده. وإنما قصد الرد على من زعم أن الأم يجب عليها نفقة ولدها بعد أبيه، وإرضاعه لدخولها في إطلاق: {وعلى الوارث مثل ذلك} فبين البخاري أن الأم كانت كلا على الأب واجبة النفقة عليه. ومن هو كل بالأصالة لا يقدر على شيء في الغالب. كيف أن يتوجه عليه أن ينفق على غيره؟ وبحديث أم سلمة فإنه صريح في إنفاقها على بنيها فضلا، وتطوعاً. وبحديث هند فإنه أوجب لها أن تأخذ من مال زوجها نفقة بنيه، من حيث لا يشعر. فإذا كانت ساقطة عنها في حياته، فالأصل استصحاب حال السقوط بعد الوفاة. .باب المراضع من المواليات وغيرهن: قلت: رضي الله عنك! يشير بقوله: المواليات وغيرهن إلى أن حرمة الرضاع تنتشر. كانت المرضعة حرة أصلية، أو مولاة، أو أمة لأن ثويبة كانت مولاة أبي لهب. .كتاب الشهادات: .باب ما جاء في البينة على المدعي: قلت: رضي الله عنك! وجه الاستدلال بالآي على الترجمة أن المدعي لو كان مصدقاً بلا بيّنة لم تكن حاجة إلى الإشهاد ولا إلى كتابة الحقوق وإملائها. فالإرشاد على ذلك يدل على الحاجة إليه. وفي ضمن ذلك أن البينة على المدعى. .باب شهادة المختبئ: فيه ابن عمر: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب يؤمّان النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم طفق يتقى بجذوع النخل. وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه. وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة. فرأت أم ابن صياد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتقى بجذوع النخل. فقالت لابن صياد: أي صاف! هذا محمد. فتناهى ابن صياد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تركته لبين». وفيه عائشة: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني. فأبت طلاقي. فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وإنمّا معه مثل هدبة الثوب. فقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة. لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك». وأبو بكر جالس، وخالد بن سعيد بن العاصي بالباب ينتظر أن يؤذن له. فقال: يا أبا بكر، أما تسمع إلى ما تجهر به هذه، عند النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: رضي الله عنك! موضع الدليل من حديث زوجة رفاعة أن خالد نقل عنها وأنكر عليها بمجرد سماع صوتها، وإن كان شخصها محتجباً عنه. وهذا حاصل شهادة المختبئ. والله أعلم. .باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء فقال آخرون: ما علمنا ذلك فيحكم بقول من شهد: فيه عقبة بن الحارث: إنه تزوج بنتا لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة. فقالت: قد أرضعت عقبة، والتي تزوج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني. فأرسل إلى آل إهاب فسألهم فقالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا. فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف وقد قيل؟» ففارقها ونكحت غيره. قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة حديث عقبة للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم رتب على قول المثبتة للرضاع إرشاده إلى الفراق، وإلى التزام الورع ورفع الشبهة. ولولا ذلك لبقي النكاح على ما كان تغليباً لقول النافي. ووقع للشارح في هذا الباب وهم. فتأمله. .باب شهادة القاذف والسارق والزاني: فيه عائشة: إن امرأة سرقت في غزوة الفتح فأتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقطعت يدها. قالت عائشة: فحسنت توبتها. وتزوجت وكانت تأتيني بعد ذلك. فأرفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه زيد بن خالد: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيمن زنا ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام. قلت: رضي الله عنك! قوله في الترجمة: وكيف تعرف توبته؟ كالترجمة المستقلة المعطوفة ثم بين كيفية المعرفة بالتوبة بتغريب من يغرب مدة معلومة، وبهجران الثلاثة مدة معلومة حتى تتحقق التوبة وتحسن الحال بخير إلى أن التوبة قه تظهر بقرائن الأحوال وبالأسباب المضيقة على العاصي فإنها زواجر تندمه على جريمته في الغالب. وأشكل ما في ذلك توبة القاذف المحق إذا لم يكمل النصاب. أما القاذف الكاذب في القذف فتوبته بينة. وأما الصادق في قذفه كيف يتوب فيما بينه وبين الله تعالى؟ وأشبه ما ذلك عندي أن المعاين للفاحشة لا يجوز له أن يكشف صاحبها إلا إذا تحقق كمال النصاب معه. فإذا كشفه حيث لا نصاب فقد عصى الله، وإن كان صادقا فيتوب من المعصية في الإعلان، لا من الصدق. والله أعلم. .باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته: وأجاز شهادته القاسم والحسن وابن سيرين والزهري وعطاء. وقال الشعبي: تجوز شهادته إذا كان عاقلاً. وقال الحكم: رب شيء تجوز فيه. وقال الزهري: أرأيت ابن عباس لو شهد على شهادة إن كنت ترده؟ وكان ابن عباس يبعث رجلاً إذا غابت الشمس أفطر. ويسأل عن الفجر فإذا قيل له طلع، صلى ركعتين. وقال سليمان ابن يسار: استأذنت على عائشة فعرفت قالت: سليمان! ادخل فإنك مملوك ما بقى عليك شيء وأجاز سمرة شهادة امرأة منتقبة. فيه عائشة: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في المسجد فقال: «رحمه الله! لقد أذكرني في كذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا». وقالت عائشة: تهجّد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فسمع صوت عباد يصلى في المسجد. فقال: «يا عائشة أصوت عبّاد هذا؟» قلت: نعم. قال: «اللهم ارحم عباداً». وفيه ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بلالاً يؤذّن بليل. فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم كلثوم». وكان أعمى، لا يؤذن حتى يقول له الناس: أصبحت. وفيه المسور: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية فقال لي أبي: انطلق بنا عسى أن يعطينا منها شيئاً. فقام أبي على الباب، فتكلم. فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قباء وهو يريه محاسنه ويقول: «خبأت هذا لك، خبأت هذا لك». قلت: رضي الله عنك! الجامع بين هذه الأحاديث معرفة الصوت وتمييز صاحبه به، كتميزه بشخصه لو رآه. ويقتضى ذلك صحة شهادة الأعمى على الصوت. وأما كون ابن عباس كان يبعث رجلاً يخبره بغيبوبة الشمس وإن لم يعاينها اكتفاء بخبر الواحد مع قرائن الأحوال. ولعل البخاري يشير بحديث ابن عباس إلى شهادة الأعمى على التعريف، أي يعرف أن هذا فلان. فإذا عرف شهد وشهادة التعريف مختلف فيها عند مالك رحمه الله تعالى وكذلك البصير إذا لم يعرف نسب الشخص، فعرفه بنسبه من وثق به. فهل يشهد على فلان ابن فلان بنسبه أو لا؟ مختلف فيه أيضاً. .باب إذا زكى رجل رجلاً كفاه: فيه أبو بكرة: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ويلك قطعت عنق صاحبك مراراً». ثم قال: «من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه. ولا أزكّي على الله أحداً. أحسبه كذا وكذا إن الله يعلم ذلك منه». قلت: رضي الله عنك! استدلاله على الترجمة بحديث أبي بكرة ضعيف فإن غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر تزكية الرجل أخاه إذا اقتصد ولم يتغال. والاعتبار قد يكون لأنه جزء النصاب، وقد يكون لأنه كافٍ فهذا مسكوت عنه. .باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود: وفيه عبدالله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شاهداك أو يمينه. قلت: رضي الله عنك! الأحاديث والآثار مطابقة لترجمته من حيث الإطلاق. .باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البيّنة: قلت: رضي الله عنك! رأى البخاري أن القاذف يمكن من السعي في البيّنة على المقذوف أنه زنا ولا يرد عليه أن الحديث في الزوجين. والزوج له مخرج من الحد باللعان إن عجز عن البيّنة، بخلاف الأجنبي لأنا نقول إنما كان هذا وقوله صلى الله عليه وسلم: «انطلق قبل نزول اللعان»، حيث كان الزوج والأجنبي سواء. فاستقام الدليل. .باب من أقام اليمين بعد البينّة: فيه أم سلمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم تختصمون إليّ. ولعلّ بعضكم ألحن بحجته من بعض. فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها». قلت: رضي الله عنك! موضع الاستشهاد من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل اليمين الكاذبة مقيدة حلاً ولا قطعاً لحق المحق. بل نهاه بعد يمينه عن القبض، وساوى بين حالتيه بعد اليمين وقبلها في التحريم. فيؤذن ذلك ببقاء حق صاحب الحق على ما كان عليه. فإذا ظفر في حقه ببينّة فهو باق على القيام بها، لم يسقط أصل حقه من ذمته مقتطعة باليمين. .كتاب الصلح: .باب إذا اصطلحوا على جور فهو مردود: وأما أنت يا أنيس فاغد على امرأة هذا، فارجمها فغدا عليها أنيس فرجمها. وفيه عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو مردود». قلت: رضي الله عنك! الصلح على الجور قد يكون من الجانبين، وقد يكون من أحدهما. مثاله في أحدهما أن يدعى عليه ديناً فيجحده ويصالحه على بعض. فهذا يقول الدافع أنه جور. ولا يرد بل يمضي. وقد يتفقان على أنه جور. وذلك بأن يظن الدافع أن الدعوى لو ثبتت لزمه منها حق، فيكشف العيب لهما إن حكم الشرع أن هذه الدعوى لو اعترف بها، أو ثبتت ببينّة لم يلزم فيها حق. وأنها غير متوجهة إلى مال الصلح ولا بعضه. فهذا جور يرد في مثله خلاف عند مالك- رضي الله عنه-. قيل: يردّ اتباعاً للحديث. وقيل: يلزم لقوله: «المؤمنون عند شروطهم». وقد فرط الدافع فكأنه تطوعّ. والتطوع يلزم على أهله بالشروع فيه. .باب فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم: قلت: رضي الله عنك! ترجم على الإصلاح والعدل. والحديث ليس فيه إلا العدل. ولكن لما خاطب الناس كلهم بالعدل بين الناس. وقد علم أنّ في الناس الحكام وغيرهم، كان عدل الحاكم إذا حكم، وعدل غيره إذا أصلح. .كتاب الشروط: .باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك: قلت: رضي الله عنك! إن قيل الترجمة اشتراط الخيار من المالك إلى غير أمد. والحديث لا يدل على ذلك. قلنا: الصحيح أن الخيار لابد من تقييده بمدّة يجوز لمثلها الخيار. وإن أطلق نزل في كل عقد على ما يليق به من المدة، التي في مثلها يقع الخيار. والحديث غير متناول للترجمة، لاحتمال أن يريد: نقرّكم ما لم يشأ الله إجلاءكم منها، لأن المقدور كائن، ولا ينافي وجود استرسال الأحكام الشرعية. وقد تنفسخ العقود اللازمة بأسباب طارئة، وقد لا تنفسخ، ولكن تمتنع مباشرة أحد المتعاقدين لاستيفاء المنفعة، كما لو ظهر فساد العامل على المساقاة وخيانته. فإن مذهب مالك إخراجه. وكذلك مستأجر الدار إذا أفسد. فهذا- والله أعلم- مراد الحديث. أي تستقرّون فيها ما لم تجاهروا بفساد. فإذا شاء الله إجلاءكم منها تعاطيتم السبب المقتضى للإخراج، فأخرجتم وكذلك وقع صدق الله ورسوله. وليس في الحديث أنه ساقاهم مدة معيّنة، إما لأنهم كانوا عبيداً للمسلمين. ومعاملة السيّد لعبده لا يشترط فيها ما يشترط في الأجنبي، لأن العبد مال السيّد. وله على ماله سلطنة الانتزاع فكان الجميع ماله. وإما لأن المدة لم تنقل مع تحرّرها حينئذ. والله أعلم.
|